السينما اللبنانية تنبعث من رمادها





ملصق فيلم "بنت الحارس" لفيروز الذي أخرجه المصري هنري بركات
شكل حصول الفيلم اللبناني الروائي الطويل "شتي يا دنيا" للمخرج اللبناني بهيج حجيج بجائزة اللؤلؤة السوداء في الدورة الرابعة لمهرجان أبو ظبي السينمائي 2010، مناسبة للالتفات إلى صناعة السينما اللبنانية التي غابت طويلا عن ساحة المنافسة في المنطقة العربية.

وقدم "شتي يا دنيا" صورة مختصرة عن مأزق الفرد اللبناني إزاء أحد أخطر الملفات العالقة من سني الحرب الأهلية اللبنانية, فجاء تتويجا لتاريخ السينما اللبنانية الذي بدأ عام 1929 بأقلام تسمى عادة سينما الروّاد هم (جوردانو بيدوتي–علي العريس–جوليو ديلوكا) وما تلاها من محاولات لصنع سينما باللهجة اللبنانية مثل "عذاب الضمير"، "قلبان وجسد" للرائد جورج قاعي، والتي لم تنجح بشكل جدّي.
وانتظر الانبعاث السينمائي اللبناني في ستينيات القرن الماضي مجيء محمد سلمان والكوميديات الغنائية الناطقة، ثم وبفعل ظروف سياسية مصرية هرّبت الرساميل السينمائية من مصر، حيث قدم إلى بلاد الأرز عدد كبير من المخرجين والممثلين المصريين الذين ساهموا في خلق ازدهار صناعي وتجاري للسينما المصرية ولكن في لبنان هذه المرة.
وكان معظم هذه الانتاجات بائسا شكلا ومضمونا وفق النقاد، حتى وإن برزت بعض الأعمال اللافتة مثل "بياع الخواتم" ليوسف شاهين وبعض أفلام هنري بركات وغيره، وحين عاد المصريون أخيرا إلى مصر تمكن بعض مساعديهم اللبنانيين من مواصلة ذلك الإنتاج.
لكن النهضة الحقيقية للسينما اللبنانية -والتي لا تزال مستمرة حتى اليوم منتجة مواضيع لبنانية- بدأت مع بداية الحرب الأهلية مع سينما مارون بغدادي وبرهان علوية وغيرهما.
 ومن أبرز أفلام هذه المرحلة أعمال اجتماعية وذاتية لبنانية الجوهر والشكل وعربية التوجه أحيانا، ومن أبرزها "كفر قاسم"، "بيوت يا بيروت" لنادين لبكي. وهذه المرحلة متواصلة حتى اليوم وإن بصعوبات إنتاجية كبيرة يفاقمها غياب الدولة عن تقديم أي دعم ، وصولا حتى "فلافل" لميشال كمون، "بيروت الغربية" لزياد دويري، "كاراميل".
وفي حين تحتل الأغنية اللبنانية مكانة متقدمة  بين مثيلاتها العربية، فإن السينما لم تحظ بذلك الانتشار لأسباب يرجعها الناقد السينمائي إبراهيم العريس إلى " ضيق السوق المحلية اللبنانية وعدم تمكن هذه السينما من دخول الأسواق العربية" التي هي حكر منذ زمن بعيد على نوع سائد وتجاري من السينما المصرية والأميركية والهندية وغيرها.
ويرى العريس أن هذه الأسواق عصيّة حتى على السينما المصرية الجادة "ولا تقبل من السينمات العربية الأخرى إلا ما هو سخيف وسطحي" وفق حديثه للجزيرة نت.
ويضيف "ربما علينا أن نلاحظ هنا أن السينما التجارية السخيفة التي كانت تنتج في لبنان في الستينيات كانت تلقى رواجا عربيا ما. ويبقى للسينما اللبنانية أن تشق طريقها في العالم الخارجي، وهنا أيضا الصعوبات قائمة وحتى السينمات العالمية الجادة لا تلقى هناك رواجا إلا في المهرجانات والعروض الثقافية. فهل على السينما اللبنانية أن تنتج تفاهات حتى تعرف الرواج؟ ربما".
وكان العريس قد أشار في كتابه (الصورة الملتبسة) الذي صدر حديثا، إلى انبعاث صناعة الفن السابع في لبنان بقوله "كان من المقدر للمشروع السينمائي اللبناني أن يتوقف بصورة كليّة لكن ما حدث كان العكس تماما: ولدت السينما من رمادها" في إشارة إلى أن الحرب فرضت فنا محليا يعكس نظرة المخرجين والمنتجين للحرب حتى وإن كان التمويل من الخارج.
ويعتبر العريس نفسه من أنصار التمازج الفني بين السينما والتلفزيون لأنه الطريقة الأفضل للالتفاف على انسداد السوق، مؤكّدا أن "مستقبل السينمائيين اللبنانيين هو على الشاشة الصغيرة وفي التعاون معها".
ويرى أن "غزو الصالات هو الآن معركة تبدو لي خاسرة" ويدعو بدلا من ذلك إلى غزو الشاشات الصغيرة "عند ذلك لن يعود ثمة وجود لسؤال محيّر يقوم على المقارنة بين رواج أغنية ضئيلة الكلفة فسيحة السوق تجاري السائد وما يطلبه الجمهور وبين فن محكوم بأن يكون ذكيا متقدما في بلد وعالم عربي تحكمه نظرية (الجمهور عاوز كده) وعالم عريض تشتد فيه المنافسة حتى ضمن إطار الإنتاج المميّز".
بدورها ترجع المخرجة اللبنانية ميرنا خياط  تراجع السينما إلى عدة أسباب أهمها غياب التواصل بين المخرج والممثل وفق أصول العمل الإبداعي، وكذلك  ضعف الإنتاج وانعدام المصدر الداعم للعمل والذي كان له الدور الكبير في تراجع السينما.
 وتوضح خياط في حديثها للجزيرة نت أن "الفيديو كليب" حضر بكثافة وربما على حساب السينما بسبب العلاقة الوثيقة بين حركة الواقع وبين المعاش على كافة الصعد "وكذلك كانت الصورة السريعة والمغناة هي العامل الذي يخاطب العين بسرعة".
 أما المنتج اللبناني محمد صفي الدين  فيعتبر أن هناك أفلاما لبنانية وليس سينما, يقول في حديثه للجزيرة نت "السينما صناعة كما تعلمون وهي في لبنان مغامرة لأنها قرار واندفاع شخصي وشحاذة". وأضاف "أغلب الأفلام التي أنتجت منذ تسعينيات القرن العشرين وحتى الآن ممولة من جهات أوروبية ويكاد موضوع أغلبها متشابه أو متشابك بفكرة الحرب".
ويشير صفي الدين إلى أن السينما اللبنانية لم تنتشر في لبنان فكيف لها أن تنتشر خارجه. ويؤكد أنه لو كانت هناك شركة تهتم بالإنتاج السينمائي كما تهتم بالإنتاج الغنائي لأمكن المقارنة.
أما الكاتب الصحفي والشاعر اللبناني إسماعيل الفقيه فيذهب إلى أن عدم انتشار السينما اللبنانية عائد إلى غياب الإنتاج وضعف المورد الذي يغذّي هذا الإنتاج.
وقال إن السبب في ازدهار الأغنية والفيديو كليب على حساب السينما عائد للحالة المتحكمة بالواقع الفني علاوة على التحول الكبير بالذوق العام "الذي يحتاج دائما إلى الشكل الفاضح والذي يخاطب الغريزة في أكثر الأحيان".
 ولفت في حديث للجزيرة نت إلى أن السبب الرئيس لغياب السينما هو هجرة الكبار من الممثلين والمخرجين إضافة إلى غياب النص والإيرادات.

مواضيع ذات صلة

 
Design by Free Wordpress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Templates