ماذا تتضمن الورقة 7S من خطوات اساسية لأخراج الفيلم القصير؟
طاهر علوان
لاشك ان متعة مشاهدة الفيلم القصير خاصة جدا ومميزة ومختلفة عما سواها من مشاهدة سائر الأنواع الفيلمية الأخرى ، عالم خاص ومكثف هو عالم الفيلم القصير ، تحتشد الأدوات الفنية ومهارات السينمائيين لتقديم " شحنة" تعبيرية عالية خالية من الترهل والأستطرادات .
فنان الفيلم القصير على درجة عالية من التمكن والأتقان والقدرة على شحذ طاقاته الى اقصاها ليقدم "لمحة" زمانية ومكانية مكتملة وذات دلالة .فأنى له ذلك ؟
مما لاشك فيه ان اشكالية الفيلم القصير تتسع باتساع المساحة المتاحة للسينمائي للتعبير عن فكرته ، فبمجرد الأرتقاء بالفكرة الى حيز القصة السينمائية المتكاملة نكون امام ذلك الأمتداد الشاسع الممثل في ادوات التعبير ووسائله والزمان والمكان والشخصيات وذلك مايتيح عددا غير محدود من الخيارات التي تستهوي هذا السينمائي دون غيره ., وعلى هذا وجدنا ان الفيلم القصير من هذه الزاوية يضع جملة من المعطيات التي لابد من حضورها وتأكيدها ابان كتابة المعالجة الفيلمية اذ لايمكن ان تمضي رؤية السينمائي سائبة في كيفية عرض مادته على اساس مامتاح له من امكانات ووسائل تعبير .
الفيلم القصير والأنواع الفيلمية الأخرى
ولعل مسألة القدرة على (التعبير) و ( التأثير) صوريا هي اولى المسائل الأشكالية التي تواجه صانع الفيلم القصير ذلك ان مامتاح من وسائل تعيبر يوفر لفنان الفيلم امكانية ان ( يقول ) بطرق متعددة ، هذا التعدد في التعبير يشتمل بالطبع (كيفية )ما تتجلى فيها الصورة محملة بمقومات التأثير في المشاهد العجول الذي يريد ان يرى شيئا مختلفا ، رؤية واعية وناضجة وموضوعا يتفاعل معه وهو مالايقع غاليا بسبب الترهل والرتابة والتكرار الذي يوقع الفيلم القصير في دوامة من الأخطاء .
وعلى هذا الأساس لابد من النظر الى الفيلم القصير في مرحلة ماقبل التصوير من الزوايا الآتية :
اولا : ان الفيلم القصير يقع في منطقة مجاورة للأنواع الفيليمة الأخرى المهمة وبقدر تجاوره معها فأنه يأخذ منها ، فهو مثلا يأخذ من الفيلم الوثائقي بعضا من واقعيته وربما الأماكن والشخصيات الحقيقية التي يستخدمها وتعد خصوصية خاصة به وهو يتفاعل مع الفيلم الروائي الطويل ويأخذ منه السرد الفيلمي والبناء الدرامي وبناء الحدث والفعل وحتى الصراع وتقاطع الأرادات والبيئة السردية
ثانيا : ان الفيلم القصير اذ يؤطر زمانيا بمساحة محددة صارت تتناقص يوما بعد يوم الى ان وصلنا الى الفيلم القصير جدا ، فأن عنصر الزمان يتيح نفاذا سريعا الى الأحداث والأفعال والدراما والصراع ، وتتناقص المساحة الزمانية للأستهلال والتعريف بالشخصيات والأماكن .
ثالثا : ان جماليات الفيلم القصير تتطلب وعيا بمسألة المرور الخاطف والسريع للشخصيات والأحداث مما يتطلب ان تدرس بعناية من كافة النواحي : في التصوير والأضاءة والمونتاج والصوت لكي تملآ المعطيات الجمالية تلك المساحة المحددة زمانيا على الشاشة .
رابعا : ان كاتب السيناريو في الفيلم القصير يفترض انه يعي منطقة ومساحة عمله ولهذا فأنه ربما يذكرنا بقصائد الهايكو اليابانية في كثافتها والشحنة التعبيرية التي تحملها وهو هنا مختلف كليا عن شعر المعلقات والأسترخاء في التغني بالأطلال واستذكار رقة الحبيبة وجمالها في (فلاش باك) مترهل لايخلو من الثرثرة ، هذا النظر الثاقب هو الذي يراد ان يتمتع به كاتب سيناريو الفيلم القصير : ان كلماته ومهارته في الوصف تتجلى في كلمات وجمل مشحونة بالتعبير وليس من اليسير الأستغناء عنها او استخدام بديل لها .
جماليات الشكل في الفيلم القصير
لعل الحديث عن جماليات الشكل لايقل اهمية عن الحديث عن الدراما الفيلمية ، والمحمول الفكري( المتعلق بالفكرة ) Thematic concept ، فالخروج من المحمول الفكرية الى سؤال ( الكيفية) هي نقطة حاسمة على طريق انتاج الفيلم القصير ، سؤال الكيفية هو سؤال الشكل الذي ستظهر عليه القصة والسيناريو بكل ماينطوي عليه من احداث وافعال ودراما ، وفي وقت نحرص اشد الحرص على تحذير كاتب السيناريو من مغبة الأنزلاق الى الترهل والأسراف في الحوار الذي يقترب من اللغو ويبتعد كليا عن تقنية (شعر الهايكو) ، فأننا في المقابل اذ نريد الوصول الى السيناريو الذي تتوفر فيه الشروط والمقومات الأساسية للفيلم القصير المتميز فأننا نصل الى نقطة مفصلية تتمثل في ( الشكل : البناء البصري – الصوتي – الحركي ، جماليات التعبير ، اسلوب طرح الأحداث واظهار الأشخاص والأشياء والأماكن ، النسيج المرئي الذي يمنح الصورة دلالات تشكيلية في العمق والتكوين وتوازن الكادر والشكل الأضائي وتوازنات اللون والضوء والظلمة وماالى ذلك) ، هذه الحقائق المرتبطة بالحس الفيزيائي الذي يترجم الى صور هو التحدي التالي والأشكالية التي لابد من ادراك ابعادها والتوقف عندها يوعي وثقة .
ولعل احد اكبر تحديات فنان الفيلم القصير هو تحدي الصورة ، بالرغم من ان عنصر الصورة هو قاسم مشترك لجميع الأنواع السينمائية الأخرى الا انه هنا خيار حاسم لاسبيل للبحث عن بديل له بالكلام الطويل .
انه صورة مترفعه عن المعنى المكرر والسائد وصاعدة في التأثير ومحتشدة بالمعاني والرموز الدالة ولايلجأ فيها المخرج وقبله كاتب السيناريو الى اللغة والحوار الا للضرورات القصوى التي لاسبيل بعدها لأيصال المعنى .
الفيلم القصير والجمهور والفيلم الطويل
ان هنالك مشكلة اساسية في صناعة الفيلم القصير ، وهي حقا مشكلة اوئك الذين يعتقدون – وهم على خطأ فادح بالطبع – ان الطريق الى الفيلم الروائي الطويل يمر بالفيلم القصير وان صانع الفيلم الروائي الطويل يجب عليه ان يصنع عدة افلام تؤهله ليصبح مخرجا للفيلم الطويل ، ربما يصدق ذلك على المهرة والموهوبين وذوي الكفاءة والخبرة ، ان تصبح مرحلة الفيلم القصير في حياتهم محطة على طريق تغيير البوصلة باتجاه نوع سينمائي آخر ، كمن ينتقل من الفيلم الروائي الواقعي الأجتماعي الى الفيلم البوليسي مثلا ، لكن القصة هنا مختلفة فالفيلم القصير لايمكن ان يكون محطة تدريبية للسينمائي يجرب فيها بداياته واخطاءه ، قد تكون النتيجة شيئا يدعى فيلما قصيرا ، شكلا ما فيلميا مليئا بالثرثرة واللغو ، وستصيب السينمائي الشاب في مقتل بعجزه عن توظيف لغة الصورة ولجوءه للتعكز على الحوار بما فبه من ترهل ورتابة .
ومن هنا وجدنا ان الفيلم القصير بماهو رسالة اتصالية تعبيرية يحتاج فيما يحتاج اليه الى مقدرة فائقة في الوصول الى الجمهور والتأثير فيه ، ربما يستكثر البعض زمنا مقداره دقيقتان هما الزمن الفيلمي كله ويتساءلون مع انفسهم : ياترى اليس عيبا ان اشارك في مهرجان عربي او دولي بفيلم طوله دقيقتان ؟ وربما سيخجل من اصدقاءه ، وذلك نابع حقا في جانب من الجوانب مما تربينا ونشأنا عليه من اهدار لقيمة الزمن والثقافة الشفاهية والحكواتية الراسخة التي تستهلك الساعات في اللغو وفي الثرثرة على الهاتف عن أي شيء عنوانه اللاموضوع واللازمن ، المسألة هنا وفيما يتعلق بالفيلم القصير مختلفة تماما ، انها اولا تتعلق بركن مهم الا وهو الأيمان المطلق بأهمية الزمن كعنصر بالغ الفعالية في البناء الفيلمي، الأحساس بالزمن لايمكن ان يكتسبه الأنسان من دراسة فن الفيلم ، بل ان تتوفر لدى المرء قدرة وحس جمالي بالزمن وقدرة على التعبير البصري او الصوري في اقل مساحة زمنية متاحة .
هذا التضييق على الهاوي والمحترف في ان يخضع نفسه لسقف زمني هو مشكلة من المشكلات المزمنة فيما يتعلق بالفيلم القصير ، واحدى اهم المشكلات والتحديات التي لايمكن الخلاص منها الا بتقديم اما فيلم قصير ناجح او فاشل .
وعلى هذا لاتستغرب ان تجد مئات السينمائيين المحترفين من كل انحاء العالم وهم يكرسون حياتهم للفيلم القصير دون غيره ويسافرون الى المهرجانات الدولية حاملين معهم فيلما قصيرا طوله دقيقتان ، قد تبدو المسألة فيها فانطازيا وغرائبية ومن الصعب فهمها امام الجنون الهوليوودي الجامح الذي خلف ثقافة فيلمية مشوهة ، وقدرا كبيرا من تعجيز الآخرين على صنع سينما ذات انتاج ضخم في وقت تتحول فيه السينما الى تجارة وصناعة و نزعة استهلاكية لاتقترب كثيرا من (فن ) السينما وبساطة التعبير السينمائي الذي ينسحق امام الآلة الجبارة التي تمثلها مجنزرات هوليوود التي تريد سحق كل شيء من اجل ان تبقى هي الديناصور الوحيد القادر على التحليق مخلفا وراءه الدهشة والعجز .
ورقة (7 S) لأخراج الفيلم القصير
لقد قمت بتدريس هذه المادة لسنوات كما ناقشتها في ورش عمل اقيمت في بلجيكا واماكن اخرى وهنا لابد نت الرجوع الى المهارات ألأساسية في الفيلم القصير يتفق عليها كثير من الدارسين والباحثين في هذا المجال ومن اهمهم (بول كوبرمان ) و ( كريج باتي ) و (زارا واليديباك ) وهم من اهم من كتب عن الفيلم القصير بشكل تطبيقي وهنا يمكن اجمال ماهو متفق عليه من خطوات اساسية لتنفيذ الفيلم القصير مع شيء من التعديل الطفيف فيما يلي :
الخطوة الأولى : السيناريو (Script ( والأنتباه الى طريقة كتابة القصة السينمائية ، الحوار ان وجد ، تقديم الشخصيات ، الحبكة ، الموضوع ، .
الخطوة الثانية : فريق العمل وهو مايطلق عليه بخطوة ( Support) وتتطلب التركيز على فريق العمل ، المنتج والأنتاج ، المخرج والأخراج، الممثلون ، الفريق الفني وادوار كل منهم ومسؤولياتهم
الخطوة الثالثة : ( (StoryBoard وتتعلق بكيفية تحويل السيناريو الى سلسلة من الصور على الورق الى صور فيلمية قابلة لأن تنقل الى الشاشة .
الخطوة الرابعة : البناء (Structure) وذلك بالتحضير ومراجعة التحضيرات الأخيرة قبل التصوير ، التصميم ، كشف الموقع Location، اعداد الممثلين ، الماكياج ، توفير اية مستلزمات لوجستية او فنية معينة مطلوبة في الفيلم .
الخطوة الخامسة : التصوير (Shooting) : كل مايتعلق بالتصوير والأضاءة من متطلبات ومستلزمات وتحضيرات .
الخطوة السادسة : الشكل ( (Shapeوتتعلق بمرحلة مابعد الأنتاج متظمنة : المونتاج ، الصوت ، المؤثرات ، والمادة المصورة الجاهزة للعرض .
العرض ( (Screen: وهي المرحلة الأخيرة اذ تكون انت وفيلمك امام الجمهور وهذه المرحلة بمثابة اعلان عن نفسك انك جاهز لولوج عالم الفيلم ان كان هو الفيلم الأول .
ورشة الفيلم القصيرتقدم ثلاثة افلام للمناقشة على يوتيوب
وبعد هذا الجانب النظري / التطبيقي اقدم ثلاثة نماذج تطبيقية ، هي ثلاثة افلام قصيرة يمكن مشاهدتها على يوتيوب وسأسلط الضوء على محاور اساسية مهمة تتعلق بكل واحد منها .
اولا : عنوان الفيلم الأول: THE BLACK HOLE
طول هذا الفيلم هو دقيقتان وبضعة ثوان ، وهو نموذج مناسب جدا يتحقق فيه اغلب ماذكرناه فيما يتعلق بخصائص واشتراطات الفيلم القصير، فالتحدي الأول بالنسبة لصانع هذا الفيلم هو ان يقدم فيلمه في حدود هذه المساحة الزمنية المكثفة والقصيرة جدا.
وعلى هذا يطرح الفيلم فرضية (ماذا لو ...؟) بالغة الطرافة وخلاصة الفكرة هي: ماذا لو فوجئ الموظف الذي بقي وحيدا بين المكاتب انه واثناء محاولته استنساخ بعض الأوراق في ماكنة الأستنتساخ شبه المعطل ، ان هذه الماكنة ستنتج بقعة سوداء في شكل ثغرة يكتشف ذلك الموظف ان بأمكانه انفاذ يده من خلالها الى أي مكان وحتى الى خزانة الشركة التي يعمل فيها ليدفعه طمعه لولوج الخزنة ثم لتغلق اوتوماتيكيا وهو في داخلها ..
ويمكننا تحليل الفيلم من خلال المعطيات الآتية :
- انه اجاد استخدام الزمن بشكل مميز واستطاع ان يقدم فكرة متكاملة في مساحة زمنية قليلة .
- ان اقتصار الفيلم على الصورة والمؤثرات – اصوات الجو العام – وعدم اللجوء الى أي حوار اعطى للصورة قيمة وثقلا واهمية وجعلها اداة قوية لأيصال الفكرة .
- اعتماد التمثيل وبمشاهد بسيطة للغاية منح الفيلم بعدا آخر مكملا لقوة الصورة .
- التصوير في مكان حقيقي واثاث حقيقي رغم ان الفكرة خيالية / فانطازية منح الفيلم ثنائية مؤثرة مزجت مابين الخيالي والواقعي .
- يمكنكم الأستمتاع بمشاهدة الفيلم من خلال هذا الرابط على يوتيوب وتكبير الصورة ايضا .
THE BLACK HOLE
ثانيا : فيلم عشر دقائق
تقع احداث الفيلم ابنا حرب البوسنة في مطلع التسعينيات ، سائح اسيوي في جولة سياحية في مدينة روما يحمل الفيلم الفوتوغرافي (النيجتف) الذي فيه صور عائلية يريد تظهيرها ويعثر على دكان يوفر هذه الخدمة خلال عشر دقائق ، الساعة هي الثانية عشرة الا عشر دقائق وسننتقل الى البوسنة حيث تعيش عائلة مسالمة في وسط جحيم الحرب ، يخرج صبي لجلب الماء ، وخلال اقل من عشرة دقائق لايفلح في جلب الماء مع اشتداد النيران والقصف الشديد ، يعود الى منزله ليجد ان عائلته قد قتلت بالكامل من جراء القصف ، خلال العشر دقائق هذه ارواح ازهقت بينما السائح الأسيوي يعود الى دكان التصوير بعد العشر دقائق لتسلم الصور العائلية التي يستمتع بمشاهدتها .
خلاصات
- اعتمد الفيلم قصة متكاملة في زمن قياسي هو تسعة دقائق وبضع ثوان .
- بالرغم من التنوع المكاني وكثرة الأماكن التي تم التصوير فيها الا انها جميعا ظهرت على الشاشة وهي تفعل فعلها في البناء الفيلمي .
- الحوار : بالرغم من لجوء الفيلم الى الحوار الا انه كان حوارا مكثفا ودالا كما انه تميز بالتنوع : مابين الحوار بين السائح وصاحب الدكان ، الحوار داخل الأسرة البوسنية ، الحوار بين الطفل والجنود .فهو فيلم حقق وظيفة الحوار بشكل متميز .
رابط الفيلم هو :
http://www.youtube.com/watch?v=ppAn0LNU_V8ثالثا : فيلم غرباء
في سبعة دقائق وبضع ثوان هو طول هذا الفيلم نشهد علاقة انسانية بين راكبين اثنين لايعرفان بعضهما وهما في عربة الميترو في احدى العواصم الأوربية ، الراكب العربي يقرأ صحيفة عربية ، يدخل النازيون الجدد ويلوثون الجريدة بالصبغ ، يوشكون على الأعتداء على العربي فيما جاره يشاهد مايجري وفي اللحظة المناسبة يقفزان مسرعين ويخرجان من عربة الميترو قبل اغلاق الأبواب بلحظات .
خلاصات
- فكرة الفيلم المتقشفة المكثفة تم تجسيدها بشكل مميز في الفيلم .
- ابتعد سيناريو الفيلم عن الحوار تاركا للغة الصورة ان تتحدث
- استخدم صوت الجو العام وبعض المؤثرات الصوتية
- استخدم التمثيل وايماءات وملامح وتعابير الوجوه
- استخدم التصعيد في الأيقاع وتسارع المشاهد في آخر الفيلم
- ربما اكتنف الفيلم بعض الطول في المشاهد الأولى
- استخدام زوايا متنوعة في التصوير
- حمل الفيلم رسالة تضامن بين البشر بصرف النظر عن اصولهم ومعتقداتهم في وجه الشر ، اذ اوحى الفيلم الى حد ما ان الراكب الآخر هو يهودي وليس كل اليهود هم صهاينة بل هنالك يهود ساخطين ورافضين لجرائم الصهاينة.